الخميس، 5 أغسطس 2010

احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك

بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله


إخواني أخواتي لقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس العقيدة في النفوس المؤمنة ، وأولى اهتماما خاصا للشباب ، ولا عجب في ذلك... ، فهم اللبنات القوية والسواعد الفتية التي يعوّل عليها لنصرة هذا الدين ، وتحمّل أعباء الدعوة .

وفي الحديث الذي نتناوله ، مثال حيّ على هذه التنشئة الإسلامية الفريدة ، للأجيال المؤمنة في عهد النبوة ، بما يحتويه هذا المثال على وصايا عظيمة ، وقواعد مهمة ، لا غنى للمسلم عنها ........... فتعالوا بنا لنرى كيف


أولا: متن الحديث:

عن أبي العباس عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما – قال:" كنت خلفَ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال : "يا غلامُ إني أُعَلِّمُك كلمات: احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".أخرجه الترمذي



ثانيا:التعريف براوي الحديث

الصحابي الجليل "عبد الله بن عباس" هو سيدنا عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات
وهو حبر الأمة وترجمان القرآن وأحد فقهاء الصحابة الأجلاء
دعا له النبي الكريم وقال (( اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين ))ويسمى كذلك بالبحر وذلك لغزارة علمه رضي الله عنه
مات سنة 70 على الراجح في مدينة الطائف



ثالثا :شرح مفردات الحديث:

*ياغلام:قال له ذالك لان ابن عباس رضي الله عنه كان صغيرا.......فقد توفي النبي ص وعمره ثلاثة عشرة سنة او خمسة عشرة سنة.

*-إني أعلمك كلمات:ذكر له ذلك قبل ذكر الكلمات، ليكون ذلك أوقـــع في نفســـه، وجاء بها بصيغة القلّة؛ ليؤذنه أنها قليلة اللفظ؛ فيسهل حفظها.

*-احفظ الله يحفظك:أي احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه...يحفظك في دينك و أهلك و مالك ونفسك ,لان الله تعالى يجزي المحسنين بإحسانهم قال تعالى :"فاذكروني أذكركم" وقال:"وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم"...وهذا يدل على أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عز وجل.

*-تجده اتجاهك:أي أمامك يدلك على كل خير ويقربك اليه ويهديك إليه.قال تعالى: "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون".

*-اذا سالت فاسال الله:وسؤال الله تعالى والتوجه إليه بالدعاء من أبرز مظاهر العبوديّة والافتقار إليه ، بل هو العبادة كلها كما جاء في الحديث : " الدعاء هو العبادة " ، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين في كتابه العزيز فقال : " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين " الأنبياء / 90 .
والله سبحانه يحب أن يُسأل، ويُلَحّ في سؤاله، والمخلوق بخلاف ذلك، يكره أن يُسأل، ويحب أن لا يسأل؛ لعجزه وفقره وحاجته.

*-واذا استعنت فاستعن بالله:الاستعانة هي طلب العون...ولا يطلب العون الا من الله تعالى الذي بيده ملكوت السماوات والارض وخزائنها فمن أعانه الله فلا خاذل له ,ومن خذله الله فلن تجد له معينا ولا نصيرا .

قال تعالى :" ان ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده" آل عمران....أما العبد فهو بحاجة الى من يعينه في امور معاشه ومعاده, ومصالح دنياه واخرته.

*-واعلم ان الامة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك,وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك :المراد أن كـــل ما يصيب الإنســــان في دنياه، مما يضره أو ينفعه، فهو مقدر عليه، فلا يصيب الإنسان إلا ما كتب له من ذلك في الكتاب السابق، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعا.

*-رفعت الاقلام وجفت الصحف:هذا إخبار من الرسول عن تقدّم كتابة المقادير، وأن ما كتبه الله فقد انتهى ورفع، والصحف جفّت من المداد، ولم يبق مراجعة، فما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك.
قال تعالى: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير " الحديد : 22 .



رابعا:مضمون الحديث:

في هذا الحديث الشريف امر نبوي كريم بحفظ الله تعالى بامتثال اوامره و اجتناب نواهيه وحفظ حدوده فلا يتجاوزها...واعظم ما يجب حفظه هو التوحيد وسلامة العقيدة من الانحرافات فهي الاصل والاساس ... وكذالك من حفظ الله أن يتعلم المسلم من دينه ما يقوم به عباداته ومعاملاته ويدعو به إلى الله...ونتيجة لذالك ينال الانسان حفظ الله تعالى له وهو نصره وتأييده...وهو نوعان :

أولا: حفظ الله تعالى للعبد في دينه و إيمانه فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة ومن الشهوات المحرمة ومن الزيغ و الضلال ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الايمان

ثانيا: حفظ الله سبحانه وتعالى لعبده في دنياه ، فيحفظه في بدنه وماله وأهله ، ويوكّل له من الملائكة من يتولون حفظه ورعايته ، كما قال تعالى : " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله "الرعد / 11

وهو ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم كل صباح ومساء : " اللهم إني أسألك العفو والعافية ، في ديني ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي "أخرجه أبو داوود و ابن ماجة

وبهذا الحفظ أنقذ الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام من النار ، وأخرج يوسف عليه السلام من الجبّ ، وحمى موسى عليه السلام من الغرق وهو رضيع...

وتتسع حدود هذا الحفظ لتشمل حفظ المرء في ذريّته بعد موته ، كما قال سعيد بن المسيب لولده : " لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك " ، وتلا قوله تعالى : " وكان أبوهما صالحا " الكهف / 82 .

ثم حث النبي صلى الله عليه وسلم على التوجه الى الله تعالى بطلب العون والتوكل عليه والاعتماد عليه... وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول :" اللهم أعني ولا تعن علي"، وأمر معاذا رضي الله عنه ، ألا يدع في دبر كل صلاة أن يقول " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"أخرجه النسائي وأبو داود .


وإذا قويت استعانة العبد بربّه ، فإن من شأنها أن تعمّق إيمانه بقضاء الله وقدره ، والاعتماد عليه في كل شؤونه وأحواله ، وعندها لا يبالي بما يكيد له أعداؤه ، ويوقن أن الخلق كلهم لن ينفعوه بشيء لم يكتبه الله له ، ولن يستطيعوا أن يضرّوه بشيء لم يُقدّر عليه ، ولم يُكتب في علم الله....




خامسا: المستفاد من الحديث:

1-وجوب الامتثال لاوامر الله واجتناب نواهيه حتى نحقق حفظ الله.

2-أن من حَفظ الله حفظَه الله.في دينه ودنياه

3-التوكل على الله والتوجه اليه بالدعاء والسؤال ...والاستعانة به في كل شيء.قال تعالى :"ومن يتوكل على الله فهو حسبه".

4-أن الامة لا تملك النفع لأحد ولا الضر لأحد إلا أن يكون الله تعالى قد كتب ذالك عليه.

5- وجوب تعميق الايمان بالقضاء والقدر وان كل شيءمكتوب عند الله تعالى ...ولا تبديل لكلمات الله.

إننا نستوحي من هذا الحديث معالم مهمة ، ووصايا عظيمة ، من عمل بها ، كتبت له النجاة ، واستنارت له عتبات

الطريق ... وفقنا الله تعالى إلى ما يحبه ويرضاه وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.....آمين


نسالكم الدعاء

يشرب الناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها

ما مدى صحة الحديث الذي معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال يشرب الناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها تضرب على رؤوسهم بالمعازف القينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير فإن كان هذا الحديث صحيحاً فما هو لفظه الصحيح كاملاً وهل الوعيد بالخسف والتحويل إلى خنازير وقردة قد يكون هذا في زمن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة مع أن الله قد رفع ذلك عن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إكراماً له؟
الجواب
الشيخ: هذا الحديث صحيح صححه ابن القيم وغيره رحمهم الله ولفظه:"ليشربن أناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ولفظ تضرب على رؤوسهم المعازف ويضرب على رؤوسهم بالمعازف"وهو حديثٌ صحيح ويشهد له أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه فيما ترجم عليه(باب من يشرب الخمر ويسميها بغير اسمها) ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أناساً يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها يقال إنها تسمى بالشراب الروحي وما أعظم هذا القول وأبطله وأكذبه فكيف يكون هذا الشراب المزيل للعقل المميت للقلب المبعد عن الرب كيف يكون شراباً روحياً ما هو إلا شرابٌ خبيث يفسد العقل ويفسد الدين ويفسد الفكر أيضاً ولهذا صاحبه المبتلى به والعياذ بالله لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال ولا ينشرح له صدر حتى يعود إليه مرةً أخرى فتجده دائماً في همٍ وقلق حتى يشرب ويدمن نسأل الله العافية والسلامة وشرابهم هذا شأنه كيف تصح تسميته بالشراب الروحي ما هو إلا شراب مدمرٌ للجسم والروح جميعاً وللعقل والفكر نسأل الله السلامة ولهذا حرمه الله على عباده تحريماً مؤكداً في قوله تعالى:(فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) وفي قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) يعني كونوا في جانبٍ وهو في جانب وهو أبلغ من قوله لا تشربوه لأن الاجتناب معناه التباعد عنه ثم قال (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) يعني هل تنتهون عن ذلك بعد أن عرفتم هذه المضار العظيمة فيه ولهذا قال أهل العلم من أنكر تحريم الخمر وهو ممن عاش بين المسلمين لا يخفى عليه تحريمه فإنه يعتبر مرتداً كافراً بالله عز وجل يستتاب فإن تاب وأقر بتحريمه فإنه يرفع عنه القتل وإلا قتل كافراً مرتداً والعياذ بالله فالمهم أن هذا الحديث وقع مصداقه شربت الخمر وسميت بغير اسمها وضرب بالمعازف والقينات على الرؤوس وأما قول القائل: إنه كيف يكون ذلك وقد رفع الله هذا عن هذه الأمة فيقال إن الذي رفع عن هذه الأمة هو الإهلاك لسنةٍ بعامة بشيءٍ عام يستأصله وأما أن يختص بعضهم بعقوبة فإن هذا لم يرفع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام يعني في صلاة الجماعة أما يخشى الذي يرفع رأسه الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار وكذلك هنا ذكر في الحديث أن الله تعالى يمسخهم قردةً وخنازير وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك كلام الله عز وجل في القرآن يجب أن يؤخذ على ظاهره بدون تأويل إلا بدليلٍ شرعي أو عقلي أو حسيٍ ظاهر فهنا نقول إن هؤلاء يمكن أن يمسخوا قردةً وخنازير حقيقيين وما ذلك على الله بعزيز إن الله على كل شيء قدير إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون والذي قلب أهل القرية من بني إسرائيل قردةً قادرٌ على أن يقلب غيرهم من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وذهب بعض أهل العلم إلى أن القلب هنا قلبٌ معنوي خلقي بمعنى أن الله يجعل أخلاقهم أخلاق القردة والخنازير ولكن الأول أليق أليق بظاهر اللفظ ونحن علينا أن نتبع ظاهر اللفظ وأن نخشى من هذه العقوبة المشينة والعياذ بالله أن يخرج الإنسان من أهل إنساناً ثم يرجع قرداً أو خنزيراً نسأل الله السلامة.
 

Blogger

قائمة المدونات الإلكترونية